الرقابة القضائية على الوساطة الاتفاقية
الوساطة الاتفاقية بالمغرب
مقدمة:
تعتبر الوساطة من الآليات البديلة التي استأثرت مؤخرا بنقاش واسع، نظرا لما أصبحت تقدمه من حلول في شتى الميادين وخصوصا ميدان المنازعات على اختلاف أنواعها، هذه الآلية التي كانت ثمرة مجموعة من المجهودات والمراحل، حيث أن البشرية عبر تاريخها كانت تحاول دوما إيجاد حلول بعيدة عن مؤسسة القضاء.
وبما أن المغرب وعلى غرار باقي الدول في علاقة تأثير وتأثر، فإن هذا المولود الذي كانت أولى تجاربه في البلدان الغربية وخصوصا الدول الأنجلوسكسونية، فإنه ما لبث أن وجد له نصيب في فضاء المنازعات ببلادنا، وسعيا من وزارة العدل نحو تبني هذا الوافد الجديد، قامت بشراكة مع بعض المؤسسات الدولية بمجموعة تكوينات القضاة والمحامين والفعاليات الجمعوية لإيجاد الإطار الأمثل لهذا الوافد وكيفية تنزيله على أرض الواقع، ومن بين المؤسسات التي عقدت شراكة مع وزارة العدل نجد المعهد الأمريكي (isdl)ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة( usaid)،ثم المؤسسة المالية الدولية(sfi).
واقتناعا من المشرع المغربي، ولما لهذه الآلية من أهمية وتماشيا مع النهج التجديدي الذي شهده العهد الجديد على مستوي التشريع فقد قام المشرع بالتنصيص على هذه الآلية، وإن بصورة محتشمة في مقتضيات ما أطلق عليها في الوساطة الاتفاقية والتحكيم،الصادرة في 6 دجنبر 2007 بقانون 08.05 والذي قام بتعديل فصول المسطرة المدنية من الفصل 3صل 306 إلى 327،والذي خصصت لهده الآلية الجزء الثالث من هذا القانون من الفصول 327.50 إلى 327.70 هذا عن المسار التاريخي الذي أدى إلى تبني المشرع للوساطة كآلية من الآليات البديلة لحل النزاع.
فإننا نرى أن نتناول هذا الموضوع على النحو التالي:
المطلب الأول:ماهية الوساطة الاتفاقية
المطلب الثاني: مسطرة الوساطة ودور القضاء فيها
المطلب الأول: ماهية الوساطة الاتفاقية.
إن الوقوف على ماهية الوساطة الاتفاقية يقتضي منا تعريفها (الفرع الأول) وبيان شروطها(الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف الوساطة الاتفاقية وأشكالها.
الفقرة الأولى: تعريف الوساطة الاتفاقية.
رغم الإقبال المتزايد على الوساطة الاتفاقية كوسيلة لتسوية المنازعات، واتساع رقعة انتشارها ونشاطها، واعتمادها من طرف مراكز وهيئات التحكيم الدولية كأسلوب رسمي ووسيلة أساسية في نظام عملها، وتزايد الاهتمام بها من قبل التشريعات الوطنية، وبعض الهيئات والمؤسسات الدولية غير الحكومية المهتمة بتعميم ونشر ثقافة الحلول البديلة لتسوية المنازعات.فإنه يلاحظ عدم وجود تعريف دقيق ومحدد لها.[1]
والمشرع المغربي سيرا على هذا المنوال في تشجيع اعتماد الوسائل البديلة لفض النزاعات، فإنه قد وضع الإطار القانوني لمسطرة الوساطة الاتفاقية من خلال قانون 08.05، وقد عرف اتفاق الوساطةفي الفص 327-56″[2]بأنه:”العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد.”
وقد تعددت التعاريف والتصورات الفقهية حول الوساطة، فقد عرفها الفقه المغربي بأنها” المساعي التي يقوم بها وسيط محايد بين طرفي النزاع وتتمثل في تقديم المساعدة لهما معا حتى يتمكن كل منهما من تقييم مركزهما القانوني والواقعي في النزاع ويكون على بينة من المكاسب والأضرار الكامنة وراء استمرار النزاع.”[3]
كما عرفها الفقه الأردني بأنها ” آلية بديلة للتقاضي تهدف إلى فض النزاع عن طرق تدخل شخص محايد يسمى الوسيط، يعمل على مساعدة أطراف النزاع على التفاوض من أجل الوصول إلى تسوية للنزاع”[4]
إقرأ أيضا: الوساطة الأسرية بالمغرب بين تحديات الواقع والآفاق المستقبلية
الفقرة الثانية :أشكال الوساطة الاتفاقية:
تتخد الوساطة الاتفاقية صورتين إما شرط وساطة أو عقد الوساطة وهذا ما نص عليه الفصل 327.57 بقوله “يمكن إبرام اتفاق الوساطة بعد نشوء النزاع ويسمى حينئذ عقد الوساطة كما يمكن التنصيص عليه في الاتفاق الأصلي ويسمى شرط الوساطة ويمكن إبرامه أثناء المسطرة الجارية أمام المحكمة وفي هذه الحالة يرفع إلى علم المحكمة داخل أقرب الآجال ويترتب عليه وقف المسطرة.”وهكذا يتخذ اتفاق الوساطة انطلاقا من النص شكلين اثنين إما شرط وساطة أو عقد وساطة
1_شرط الوساطة
شرط الوساطة هو اتفاق يكون سابقا لنشوب النزاع، وعرفه المشرع بأنه: “الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على الوساطة النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور.”وبالوقوف عند مقتضيات قانون 08.05 نجد أنه لم ينص على أي نص يمنع إدراج شرط جزائي يجبر الطرفين على احترام شرط اللجوء إلى الوساطة قصد تنفيذه.
2_عقد الوساطة
وهو الذي يمكن إبرامه بعد نشوء النزاع, وأثناء جريان المسطرة أمام المحكمة وذلك بإبلاغ المحكمة به فورا ويترتب على إبرامه وقف المسطرة إلى حين تبين مآل الوساطة.
وسواء تم إبرام الوساطة أثناء جريان المسطرة أو بعد نشوء النزاع فإن الأطراف ملزمون بموجب هدا العقد باللجوء إلى الوساطة كآلية لفض نزاعاتهم بعيدا عن القضاء.[5]
الفرع الثاني: شروط الوساطة الاتفاقية.
باعتبار الوساطة وسيلة خاصة لتسوية المنازعات فإن المشرع حرص في تنظيمها على إدراج مجموعة من الشروط الشكلية التي لابد من توافرها والمتمثلة في الكتابة واحترام الوسيط آجال الوساطة.وتقييده بأحكام السر المهني أثناء سير مسطرة الوساطة”[6]
أولا: الشروط الشكلية.
أ_ الكتابة:
فعلى غرار التحكيم أوجب القانون أن يبرم اتفاق الوساطة دوما كتابة، الفصل 327-58، ق م م”[7]
سواء بعقد رسمي أو عقد عرفي، وكذلك بمحضر يحرر أمام المحكمة إذا كان النزاع جاريا أمامها، وقد تساهل المشرع المغربي في هذا الشأن مع الأطراف فوسع من مفهوم الكتابة حيت يشمل صورا عدة من المحررات التي تتيحها تكنولوجية الاتصال الحديثة”[8]
وأكثر من هذا فإن المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 327-58، من ق م م، يعتبر الإحالة في عقد ما أولى وثيقة تتضمن شرط وساطة بمثابة اتفاق وساطة، شريطة أن يكون العقد المذكور قد أبرم كتابة وأن يكون من شأن الإحالة أن تجعل من الشرط جزءا لا التباس فيه من العقد[9].
وما يلاحظ بالنسبة لشرط الكتابة هو أنها تشكل شكلية إثبات أكثر ما هي شكلية انعقاد، تماشيا مع فلسفة المشرع الرامية إلى التشجيع على اللجوء إلى الوساطة كوسيلة لحل المنازعات، ولحماية أطراف الوساطة وجب إثبات الاتفاق بالكتابة، وعمليا يصعب تصور اتفاق وساطة غير مكتوب، خاصة وأن القوانين و أنظمة الوساطة الداخلية والدولية تلزم بتقديم محضر الصلح إلى القضاء مرفقا بنسخة من اتفاق الوساطة.
ب_ احترام الوسيط آجال الوساطة وتقيده بأحكام السر المهني.
على غرار التشريعات المعاصرة ذهب المشرع المغربي في الفصل 327-65 من القانون 05-08 على أن للأطراف أن يحددوا للوسيط مدة مهمته دون أن تتجاوز ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه مهمته، كما أنه للأطراف تمديد الأجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام اتفاق الوساطة.
والمستفاد من هذا الفصل أن المشرع ترك الحرية للأطراف لتحديد آجال الوساطة على أن لا تتجاوز ثلاثة أشهر الأمر الذي يفيد أنه يجوز النزول عن هذه المدة طالما أن المشرع نفسه لم يوجب احترامها في حده الأدنى كما أنه لم يكن موفقا في تحديد مدة الثلاثة أشهر لكونه لم يحدد عدد المرات التي يجوز بموجبه للأطراف تمديد مهمة الوسيط مما قد يطيل أمد الوساطةّ، ويضرب بالتالي أحد أهم خصائص الوساطة المتمثلة في سرعة الفصل في النزاع وذلك خلافا للمشرع الفرنسي الذي حددها في مرة واحدة”[10]
بالنسبة للتقيد بأحكام السر المهني فإن الوساطة تتميز بالسرية كمبدأ عام وهي ميزة خاصة تنفرد بها عن القضاء الرسمي،ولضمان هذه الميزة أفردت مجموعة من مراكز الوساطة في لوائحها نصوصا تؤكد على هذا المبدأ، ولضمان مبدأ السرية والحفاظ عليه نص المشرع المغربي في الفصل 66-327 من ق م م، على أن ” يلتزم الوسيط بوجوب كثمان السر المهني بالنسبة إلى الأغيار وفق المقتضيات وتحت طائلة العقوبات النصوص عليها في القانون الجنائي.” المتعلق بكتمان السر المهني ولا يجوز أن تثار ملاحظات الوسيط والتصاريح التي يلقيها أمام القاضي المعروض عليه النزاع إلا باتفاق الأطراف ولا يجوز استعمالها في دعوى أخرى.
فبموجب هذا الفصل فإن المشرع ألزم الوسيط بكتمان السر المهني تحت طائلة المسائلة الجنائية فالحوارات والمفاوضات والوثائق والمعلومات المتداولة أثناء مسطرة الوساطة سواء في حالة نجاحها أو فشلها يجب أن تحاط بالسرية التامة.
غير أن حماية هذا المبدأ – السرية – لم يكتمل لكون ما يلتزم به الوسيط بالحفاظ على سريته قد يسربه أحد أطراف اتفاق الوساطة، ويضر بالطرف الآخر بمصلحته وسمعته وهذا من الإشكالات والإغفالات التي ارتكبها المشرع المغربي في قانون 05-08، بعدم تنصيصه على مسؤولية الأطراف في حالة كشف أحدهم عن الملاحظات والتصاريح المدلى بها في إطار الوساطة.
ثانيا: الشروط الموضوعية للوساطة
بالإضافة إلى الشروط الشكلية التي استوجبها المشرع المغربي للقول بصحة اتفاق الوساطة، اشترط كذلك ضرورة توفر هذا الاتفاق على شوط موضوعية تتعلق أساسا ببعض البيانات الواجب توفرها في شرط الوساطة أو عقد الوساطة،ثم المجالات”[11]المستثناة من الوساطة.
أ_ البيانات الواجب توفرها في عقد الوساطة.
إن عقد الوساطة باعتباره اتفاق مبرم بعد نشوء النزاع بين طرفيه فإن المشرع ألزم وتحت طائلة البطلان أن يتحدد في هذا العقد موضوع النزاع، وتعيين الوسيط أو طريقة تعيينه، والغاية من تحديد موضوع النزاع هي تبيان ما إذا كان هذا الأخير يدخل ضمن نطاق القضايا التي يجوز فيها الصلح ومن ثم استبعاد القضايا التي لا يجوز فيها الصلح على أساس أن الوساطة لا تجوز إلا فيما يجوز فيه الصلح.
ب_ البيانات التي يجب تضمينها في شرط الوساطة.
بالإضافة إلى شرط الكتابة وتضمين شرط الوساطة في العقد الأصلي أو في وثيقة تحال إليه بشكل لا لبس فيه، أوجب المشرع المغربي تحت طائلة البطلان أن يتضمن شرط الوساطة تعيين الوسيط أو الوسطاء أو التنصيص على طريقة تعيينهم.
وعلى خلاف ما أوجبه المشرع في عقد الوساطة لم يشترط في شرط الوساطة أن يتضمن موضوع النزاع، ويرجع ذلك إلى أن النزاع لم يكن قد نشأ بعد”[12]وإنما هو محتمل الوقوع لذلك يكون من الصعب تحديد موضوع النزاع المحتمل بخصوص العقد الأصلي.
ج_ المجالات المستثنات من الوساطة طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل65-327″[13]
الذي ينص على أنه لا يجوز أن يشمل اتفاق الوساطة مع التقيد بمقتضيات الفصل 62″[14]
المسائل المستثنات في نطاق تطبيق الصلح ولا يجوز إبرامه إلا مع مراعاة التحفظات أو الشروط أو الحدود المقررة لصحة الصلح بموجب الفصول من 1099 إلى 1404.”[15]
يتبين لنا من خلال هذا الفصل أن إبرام اتفاق الوساطة يستوجب عدم مخالفته لمقتضيات الفصل 62 من ق إ ع م، الذي ينص على أن” الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن…” أي أن اتفاق الوساطة يجب أن يكون مبنيا على سبب مشروع غير مخالف للنظام العام والأخلاق الحميدة للقانون، ومن جهة ثانية عدم شمول اتفاق الوساطة في المسائل المستثنات من تطبيق الصلح، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 1100″[16]
ولذلك لا تجوز الوساطة في المسائل المتعلقة بالنظام العام، أي في الأمور.
التي لاتدخل في دائرة التعامل على اعتبار أن النظام العام هو كل مايسمى بكيان الدولة ويتعلق بمصالحها سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو اقتصادية، والتي تحاول تحقيقيها من أجل الرقي والسير في عز و أمان، وعليه فلا يجوز الصلح أو الوساطة على الأموال العامة للدولة من ممتلكاته ورسوم، ضرائب مستحقة ومفرزة بصفة نهائية، إذ أن الوساطة لا تنعقد إذا كانت متعلقة بخمر أو مواد مخدرة ومشابه ذلك من مال غير مقوم ، وكل المسائل التي تحرمها الشريعة الإسلامية، وهذا ما اعتمده المشرع في الفصل 1011.[17]
المطلب الثاني : مسطرة الوساطة ودور القضاء فيها
إن محاولة معرفة مسطرة الوساطة الاتفاقية يقتضي منا التطرق لمراحلها والتي يمكن حصرها في مرحلتي الإعداد والشروع الفعلي فيها( الفرع الأول)، ومرحلة التفاوض وتسوية النزاع (الفرع الثاني) ثم في الفرع الثالث نتائج الوساطة ورقابة القضاء عليها في (الفرع الثالث).
الفرع الأول : مرحلتي الإعداد والشروع الفعلي في الوساطة.
أولا : مرحلة المقدمة و الإعداد للوساطة.
في هذه المرحلة يتم التعارف وتقديم الوساطة، وشرح دور الوسيط و عملية الوساطة، وقواعد النقاش و الأمور الإجرائية، فالهدف الأساسي من المقدمة هو كسر الجليد وخلق الجو المناسب للتفاوض، يمكن أن تتم مع أطراف الخصومة مجتمعين في مجلس واحد أو على إنفراد ، إذا لم يرغب على طرف في هذه المرحلة في اللقاء بالطرف الآخر. وتشمل هذه المرحلة ثلاث نقط أساسية تتعلق النقطة الأولى بالبحث الأولي.[18]
وتتعلق الثانية بعقد الوساطة بالاتفاق على عنصر ومسطرة الوساطة. وعلى الانخراط الرسمي فيها، والاتفاق على الأتعاب و طريقة أدائها، وعلى الإطار الزمني المتوقع، و تحديد صلاحية الأطراف الحاضرة في توقيع اتفاق ا لتسوية بحسن نية، وتتمثل الثالثة في ربط التواصل الأولي و الإعدادي من إخبار الوسيط ، وشرح دور ومهمة الوسيط، وقراءة المذكرات والحجج الداعمة لموقف كل طرف، وتحديد مكان وزمان الأشغال التحضيرية للوساطة و الاجتماعات التمهيدية وتوفير المناخ المناسب للتفاوض وبالتالي فإن هذه المرحلة تتميز بتوافق الأطراف على خطة عمل، وعلى قواعد أساسية وتنظيمية للوساطة، ويعتبر هذا التوافق أفضل وسيلة لحل نزاعات.
مستقبلية قد يتسبب فيها هذا الطرف أو ذاك، كما أنه يشكل دليلا قاطعا على مشاركة طرفي الخصومة في مسار الوساطة بمحض إرادتهم.
ثانيا : مرحلة الاقتناع بالوساطة والشروع الفعلي فيها.
تشمل هذه المرحلة استقبال الأطراف، وتوفير قاعات للاجتماع المتفرد والجماعي لهم، حيث يعقد الوسيط في هذه المرحلة جلستان:
جلسة أولى مشتركة يحضرها جميع الأطراف ومحاميهم ويستهلها الوسيط بتقديم فكرة عن مهمته، ويحث الطرفين على الالتزام بالموضوعية والجدية والصراحة، في بسط وجهات نظرهما، ثم يطلب من الفريق المدعي في إعطاء بيان مختصر عن وقائع الدعوى، والوثائق التي يستند إليها، والحقوق التي يطالب بها، وبعد ذلك يطلب من المدعى عليه تقديم جواب أو وجهة نظر في النزاع.
أما الجلسة الثانية فيعقدها الوسيط منفردة مع كل طرف حده، مباشرة بعد رفع الجلسة المشتركة الأولى حيث يبدأ بجلسة منفردة مع المدعي ومحاميه، والتي ل ا تتجاوز مدتها ربه ساعة أو نصف ساعة على الأكثر، ويطلب فيها، منهما حصر الطلبات النهائية والتي تقوم بعرضها على الطرف المدعي عليه ومحاميه في جلسة منفردة معهما يستمع فيها لردهما أو بالأخرى عرضهما المقترح لحل النزاع، ويقوم لإبلاغه للمدعي من جديد.[19]
الفرع الثاني : مرحلتي دراسة النزاع والاتفاق على تسوية.
أولاً : مرحلة دراسة النزاع والتفاوض بشأنه.
تعتبر هذه المرحلة من المراحل الأساسية في مسطرة الوساطة، وما يميزها عن باقي المراحل هو الدور الكبير الذي يلعبه الوسيط في إطارها، بحيث يقوم بإعداد الأرضية المناسبة للتفاوض، من أجل الوصول إلى حل مناسب للنزاع، وذلك من خلال عقد اجتماعات سواء فردية أو جماعية، يتم فيها التعامل مع مواضيع النزاع، إما بجمعها كوحدة واحدة أو تجزيئها إلى نقاط و التعامل معها نقطة تلو الأخرى، إذ يصل بعد أخذه موافقة الأطراف و طبقا للصلاحيات التي خولها له القانون.[20]
الاستماع إلى الأغيار الذين يقبلون بذلك. دون أن يكون له سلطة فرض تسوية على الطرفين وفي نهاية هذه المرحلة من المفروض أن كل طرف قد حدد طلباته وموقفه. وفهم جيداً مصالح وموقف الطرف الآخر، وفي ضوء هذه المحطة ينتقل الوسيط بعد أن يكون الجميع قد ألم الإلمام الكامل والجيد بمختلف عناصر النزاع إلى المحطة الجاسمة، ولتسهيل عملية تتويج هذه المرحلة بالوصول إلى نتيجة إيجابية، ويجدر بالوسيط تكريس مناخ الثقة المتبادلة بين الطرفين مثلما قبل عند افتتاح عملية الوساطة وتعميق روح التعاون.
البناء و العمل المشترك. وذلك بهدف تفادي كل عرقلة للحل الودي، وفتح الطريق أمام الاتفاق المبدئي، وهو موضوع المحطة الرابعة و الأخيرة من عمر الوساطة.[21]
ثانيا : مرحلة الاتفاق وتسوية النزاع.
في هذه المرحلة النهائية يتم تتويج كل المجهودات التي بذلت من لدن طرفي النزاع والوسيط ، وهي المحطة التي يقع فيها التعرف على التنازلات المقدمة بصفة متبادلة وتوثيق الحلول المقترحة.
الفرع الثالث : نتائج الوساطة الاتفاقية والرقابة القضائية عليها
بعد استيفاء مراحل الوساطة وانتهاء الأطراف من جميع إجراءاتها، فإن الوساطة قد تتوج بنجاح الأطراف في صياغة حل نهائي وذلك في حالة الاتفاق فيما بينهما (أولا). كما قد تنتهي الوساطة بفشل الأطراف في التوصل إلى حل (ثانيا.(
أولا : نتائج الوساطة الاتفاقية.
أ: نجاح الوساطة الاتفاقية.
إن الوساطة تتوج بالنجاح من خلال اتفاق الأطراف فيما بينهم حول نقط الخلاف ويتحقق هذا بانخراط كل طرف في المفاوضات بشكل جدي باستماعه للطرف الآخر، واستعداده للتنازل عن بعض حقوقه ليتأتى التوافق فيما بينهم ، وهذا الاتفاق قد يكون كليا من خلال اتفاق الأطراف على جميع النقط التي كانتمحل الخلاف بينهم، وقد يكون جزئيا باتفاقهم على بعض النقط واختلافهم على بعضها.
ويخضع هذا الصلح الذي توصل إليه الأطراف للقسم التاسع من الكتاب الثامن من ق.ل.ع المنظم للصلح، وبالرجوع إلى هذا القسم نجد أن الفصل 1110 منه يعطي لكل طرف من طرفي الصلح التحلل من التزامه إذا لم يقم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه مع حفظ حق الطرف الأول في طلب التعويض، وهذا يسري على الوساطة أخذاً بمفهوم الموافقة. كما أن فسخ الصلح المبرم من الطرفين يعيدهما إلى الحالة التي كانا عليها قبل التوصل إلى هذا الصلح.[22]
ب : فشل الوساطة الاتفاقية.
إن فشلت الوساطة يتم عندما لا يتمكن الوسيط من تسوية النزاع كليا أو جزئيا خلال المدة القانونية بسبب وصول المفاوضات إلى طريق مسدود لا يمكن معها للأطراف الاستمرار في النقاش نظراً لعدم تقارب وجهات نظرهم حول النزاع، أو بسبب تغيب الخصوم وعدم متابعتهم لإجراءات الوساطة، إذ أن الوسيط في هذه الحالة يخبر الأطراف بهذا الفشل، ويشعرهم بأن ما أدلوا به خلال مراحل الوساطة من تصريحات أو وثائق لا يمكن التمسك بها أمام جهة أخرى وتبقى محاطة بسرية تامة، وفي هذه الحالة يسلم الوسيط للأطراف وثيقة عدم قبول الصلح.
إلا أن فشل الوساطة لا يحول دون اكتساب الأطراف المتنازعة لعدة امتيازات أو ما يمكن أن نسميه ” بنجاحات” أهمها : ـ تبادل المعلومات وفض العداءات وتجاوز الأحكام الخاطئة المسبقة ـ مساعدة الأطراف على التواصل والتعامل بسلوك مثمر فيما بعد ـ إعطاء فرصة لكل الأطراف في الاستماع لما يقوله الطرف الآخر.
وفي الأخير فإن فشل الوساطة لا يمنع اللجوء إلى القضاء وإحالة النزاع عليه، إذ أن اللجوء إلى الوساطة لا يقلص بأي شكل من الأشكال الحق في اللجوء إلى القضاء في حالة فشل الوساطة.1
ثانيا : الرقابة القضائية على الوساطة
إن تدخل القضاء في المسطرة الاتفاقية ينقسم إلى رقابة قبلية( أ). رقابة بعدية(ب(
أ : الرقابة القبلية.
إن مراقبة القضاء للوساطة، تبدأ أولا من تقرير اللجوء إلى هذه الأخيرة إراديا من قبل طرفي النزاع، وفق أحكام المادة 56ـ327،[24]إذ أنه لا يمكن اعتماد هذه المسطرة إلا إذا ورد ذلك كتابة ، إما بعقد رسمي أو عرفي، أو بموجب محضر يحرر أمام المحكمة، إذا ما كانت المسطرة القضائية جارية، وفي هذه الحالة يرفع إلى علم المحكمة في أقرب الآجال ، ويترتب عليه وقف المسطرة.
وتمتد المراقبة القضائية على اتفاق الوساطة إلى مدى احترامه لمقتضيات الفصل 62 [25] المتعلق بالسبب الذي ينص على أن الالتزام الذي لا سببه له أو المبنى سبب غير مشروع بعد كأن لم يكن وبعد السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للنظام العام أو القانون أو الأخلاق الحميدة.
ومراقبة موضوع النزاع القائم عليه المادة 57ـ327 [26]التي أكدت على أنه يشترط سلوكه مسطرة الوساطة أن تتم مراعاة الشروط أو الحدود المقررة لصحة الصلح، لذلك فإن المشرع لما أقر ضرورة تحديد موضوع النزاع في اتفاق الوساطة، فهو أعطى للمحكمة فرصة لمراقبة إطار النزاع ومدى ملائمته لمعايير والضوابط المحددة بموجب القانون. [27]
ب: الرقابة البعدية .
بمجرد استيفاء اتفاق الصلح لجميع عناصره من تحرير وثيقة الصلح والتوقيع عليها، تصبح هذه الوثيقة قائمة بذاتها وتكتسب قوة الشيء المقضي به بمجرد صدورها. إلا أنه لا يمكن تنفيذها جبرا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية لها.
وعليه فقد أسند المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 69ـ327 .[28]مهمة النظر في طلبات تذييل اتفاقاتالصلح بالصيغة التنفيذية إلى رئيس المحكمة المختصة محليا للبث في موضوع النزاع، غير أن هذا يثير إشكالية قانونية وهي مدى إمكانية إصدار القضاة للأوامر بالصيغة التنفيذية نيابة عن رئيس المحكمة المختصة؟
إذا ما علمنا أن النص القانوني لا يسعف عن ذلك بحيث أنه لم يتح لنواب رئيس المحكمة مباشرة هذه المسطرة، فإن أحد الاجتهادات القضائية الصادرة عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة 🙁 رغم أنها خاصة بالتحكيم إلا أنه يمكن القياس عليها بالنسبة للوساطة).[29]
قد ذهبت إلى قبول الأوامر القضائية المتعلقة بالتنفيذ التي تصدر عن القضاة نيابة عن الرئيس بصفتهم هذه، وهذا ما يؤخذ من الحيثية التالية: ” … العبرة برئيس المحكمة المخول له سلطة الأمر بتذييل حكم المحكمين بالصيغة التنفيذية ليس فقط لمن هو معين على رأس المحكمة بل تمتد هذه السلطة لمن ينوب عنه…” [30]
[1]:حسين عبد العزيز عبد الله النجار، البدائل القضائية لتسوية المنازعات الاستثمارية والتجارية” التحكيم والوساطة والتوفيق”، دراسة مقارنة ،ط/1،2014،ص:193.
[2] :الفصل،327-56 من القانون 08.05.
[3] : محمد أطويف،الوساطة الاتفاقية على ضوء القانون 05-08 مقال منشور في مجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث العدد 3،سنة 2013 ،ص/19.
[4] :أيم مساعدة، الوساطة كآلية لتسوية النزاعات المدنية في القانون الأردني،مجلة أبحاث جامعة اليرموني سلسلة العلوم الإنسانية العدد 4،2004،ص:1937.
[5] :بنسالم أوديجا الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض النزاعات مطبعة دار القلم الرباط،ط/1 2009 ص/64.
[6] :شرط الوساطة” هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على الوساطة النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور.
[7] :الفصل 327-58 من ق م م .
[8] :عبد المجيد غميجة، نظام الوساطة الاتفاقية بالمغرب، مقال منشور بالمجلة المغربية للوساطة والتحكيم، العدد 7، ص:65.
[9] :محمد أطويف ، مرجع سابق،ص:30-31.
[10] :محمد أطويف، المرجع نفسه،ص:30.
[11] : محمد أطويف، المرجع نفسه،ص:30.
[12] :المرجع نفسه،ص:30
[13] :الفصل 65-327 من ق م م.
[14] :الفصل 62 من ق إ ع م.
[15] : الفصول من 1099 إلى 1404 من ق إ ع م.
[16] :الفصل 1100 من ق إ ع م، ينص على ما يلي”لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام أو بالحقوق الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل، ولكن يصوغ الصلح على المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ من الجريمة.
– [17] ينص الفصل 1101 ق.ل.ع : ” لايجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليه، غير أنه يصوغ الصلح على الأموال أو الأشياء ، ولو كانت قيمتها غير محققة بالنسبة للطرفين.
– [18] البحث الأولي : ويضم شرح المسار والالتزامات، وتحديد الأهداف، وبيان القواعد التي تحكم سير جلسات الوساطة( عدم مقاطعة الحديث، الإحترام المتبادل بين الأطرف، احترام سرية التفاوض) وإقناع الأطراف بٱتفاقية نجاح هذه الوسيلة.
– [19]محمد سلام، الطرق البديلة لحل النزاعات، التجربة الأمريكية كنموذج، الطرق البديلة لتسوية النزاعات، العدد 11 سنة 2004، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، مطبعة المحمدية، توزيع دار التعلم الرباط، ص83.
[20] -الفقرتين 2 و3 من الفصل 68ـ327 من قانون 05ـ08
– [21]بنسالم أوديجا ، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض النزاعات، مطبعة دار القلم، الرباط، ط. الأولى سنة 2009، ص 117
– [22] محمد أطويف ، مرجع سابق، ص 38
-[23]محمد أطويف، مرجع نفسه، ص 37
– [24]الفصل 56 ـ 327 من ق.م.م.
[25]- – [25]الفصل 62 من ق.ل.ع
– [26]الفصل 57ـ327 م ن ق.م.م
– [27]محمد أطويف، مرجع سابق ص 40
– [28]الفصل 69 ـ 327 ، الفقرة الثانية من ق.م.م
– [29]إيمان أزناي، الحلول البديلة لفض النزاعات في المادة التجارية، الوساطة الاتفاقية نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية الحقوق سويسي الرباط،2010 ـ 2011.ص 72.
– [30]قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة، ملف مدني عدد 3169/93، صادر بتاريخ 1995/10/10 منشور في المرجع التالي : كريم بنموسى وناصر بلعيد ” دور القضاء في مسطرة التحكيم ” بحث نهاية التمرين الملحقين القضائيين ، الفوج 34 سنة 2007ـ2009.