الوساطة الالكترونية في تسوية النزاعات

الوساطة-الالكترونية-في-تسوية-النزاعات الوساطة الالكترونية في تسوية النزاعات
الوساطة الالكترونية في تسوية النزاعات

الوساطة الالكترونية في تسوية النزاعات 

 
        إن دخول شبكة الأنترنت بصورة غير مسبوقة عالم الأنشطة التجارية والمعاملات المالية، أسس لنشوء (سوق إلكترونية)، تتم بواسطته، كل تلك الأنشطة والمعاملات، سواء تمت بين المؤسسات أو الشركات المهنية المحترفة، أو تمت بينها، وبين المستهلكين، فغدا المقصود بتعبير التجارة الالكترونية، تلك التجارة الممكنة بواسطة تقنيات عصر الأنترنيت، والتي كتب لها الانتشار، والتطور المضطرد، بفضل ما له من مميزات هي في الحقيقة ليست في ذات التبادل التجاري إنما فيما وفرته التقنية الحديثة، من تسهيلات.[1]


       إن مجال المنازعات الالكترونية شاسع جدا ولا يمكن تصور نطاقه، إذ يبدأ من قضايا التعاقد الالكتروني وكيفية تأطيره من الجانب القانوني على مستوى نشأته وتنفيذه، ومسألة البيانات ومدى حجيتها ويظهر في هذا الإطار ما يسمى بالتواقيع الرقمية التي ترتبط بموضوع التشفير، والموقف القانوني من الوسائل الالكترونية، ويضاف إلى أنظمة الدفع الالكتروني والمال الالكتروني والبنوك الالكترونية، فأمام هذا التطور في طبيعة النزاعات المطروحة التي يستعصي حصرها أو التي يحتمل أن تحدث آجلا، هي بحق جد مؤثرة في استقرار المعاملات وستزداد تأثيرا مع ما يستقبل من الأيام والسنين بالنظر لازدياد الاعتماد على هذه الآلية، لأجل فالحاجة أصبحت ملحة في اتجاه آليات متطورة ومتحررة وملائمة لهذا الاطار الذي لا يعترف بالقيود القانونية التقليدية أو الحدود الجغرافية المرسومة على خارطة العالم الذي أصبح يتقزم حجمه كل لحظة زمنية.[2]


فما هو تعريف الوساطة الالكترونية؟ وما هي خصائصها وإجراءاتها؟


أولا- تعريف الوساطة الالكترونية


      بالرجوع لقانون 08-05، يبدو من الوهلة الأولى أن المشرع المغربي، يعترف ضمنيا بما يسمى بالوسائل البديلة المطبقة بشكل حديث اعتمادا على المعلوميات[3]على أساس أن الفصل 58-327 من قانون المسطرة المدنية نص على أنه: ” يعتبر اتفاق الوساطة مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين وجود اتفاق الوساطة دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك.


     تعتبر الإحالة في عقد ما إلى وثيقة تتضمن شرط وساطة بمثابة اتفاق وساطة على أن يكون العقد المذكور قد أبرم كتابة وأن يكون من شأن الإحالة أن تجعل من الشرط جزءا لا التباس فيه من العقد”.


     فنص هذا الفصل جاء عاما، ومع ذلك فقد أتاح إمكانية ابرام اتفاق الوساطة بأية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال تثبت وجوده، وفضلا عن أن قانون 08-05 جاء في نطاق تطبيقه عاما في تنظيمه لإجراءات معينة يدب مراعاتها، ومحيلا في أجانب المتعلق بالموضوع على الفصول 62 و1099 لغاية 1104 من قانون الالتزامات والعقود التي حددت بطريقة المنع ما يعتبر داخلا في إطار ما يمكن التصالح بشأنه، مما يعني أن كل المنازعات الالكترونية التي تتعارض ومقتضيات الفصول المشار إليها أعلاه، المضمنة في قانون الالتزامات والعقود المغربي يمكن سلوك مسطرة الوساطة بشأنها وفق أحكام القانون رقم 08-05، مع العلم أن طبيعة الأعمال الالكترونية التي تتم عبر الأنترنيت تتميز بمزايا تفتقدها المحاكم وحتى الوسائل البديلة التقليدية لفض المنازعات.[4]


     بالنسبة لتعريف الوساطة الالكترونية، هناك مفهوم تقليدي وحديث، وبذلك فالوساطة الالكترونية بمفهومها الحديث هي: “وسيلة من الوسائل الودية لفض المنازعات، حيث يقوم أطراف النزاع بالعمل مع وسيط، وهو من يقدم النصح والإرشاد، مع طرح الاحتمالات التي قد يتقبلها أطراف النزاع دون أي ضغط أو إكراه من الوسيط لفض النزاع القائم بينهما”.[5]
      وهناك مفهوم حديث للوساطة نابع من تدخل أجهزة الاتصال الحديثة، ومنها شبكة الأنترنيت، والذي يشير إلى أنه: ” هي وسيلة لحل نزاعات عقود التجارة الالكترونية، والعقود الالكترونية عموما، عبر استخدام الوسائل التكنولوجية وعلى رأسها شبكة الأنترنيت، حيث يتم الاستعانة من قبل الأطراف المتنازعين بوسيط لا يقوم باتخاذ قرار لحل النزاع، ولكنه يساعدهم على إيجاد حل مقبول لكل منهما بشكل محايد.[6]


     وبالتالي، فإن الفرق بين النوعين يتحدد في كون النوع الثاني المتعلق بالوساطة الالكترونية من المنظور الحديث، تستخدم في إطارها التكنولوجيا المعلوماتية الحديثة من خلال الأنترنيت، الذي أصبح يلعب دورا مهما في تسوية النزاعات في العصر الحديث بالعديد من التجارب المقارنة، بحيث إنه يوفر الوقت والجهد والكلفة وغيرها من الامتيازات التي يحظى بها الأطراف باستخدامهم لهذه التقنية، حيث يمكنهم تسوية النزاعات عن طريق التواصل بواسطة البريد الالكتروني أو باستخدام الفيديوكونفرانس ورؤية بعضهم البعض أو من خلال خدمة  (chat room)أو messenger أو غيرها من وسائل الاتصال…    

   ثانيا: خصائص الوساطة الالكترونية وإجراءاتها


 
   تتميز الوساطة الالكترونية بحكم طبيعتها المنفتحة على التقنيات الحديثة في التواصل بخصائص متميزة (أ) كما أن لها إجراءاتها يتعين احترامها لحل النزاع تختلف باختلاف المسطرة المحددة حسب الجهات القائمة عليها(ب).
 
أ_ خصائص الوساطة الالكترونية:
 
         عموما فإن مراكز الوساطة الالكترونية، دأبت على توفير مرتكزات الثقة والأمان مع السرعة في فض النزاعات المحالة إليها من قبل المتنازعين، وعليه تتميز الوساطة الالكترونية فضلا عن الخصائص التي تتميز بها الوساطة البنكية بشكل عام، بفعالية الأدوات المستخدمة في عملية الوساطة، والتي تصاحب سير النزاع منذ لحظة إحالة النزاع على الوسيط لحين الفصل فيه.[7]
    ويمكن إجمال خصائص الوساطة الالكترونية كالآتي:
_ توفير الوقت والجهد على المتنازعين في إجراء جلسات الوساطة عن بعد، من خلال شبكة الأنترنيت، حيث يتم التفاوض وتقديم المقترحات والأدلة والطلبات عن بعد، دون تكليف المتنازعين عناء الانتقال إلى مكان الجلسة.[8]
_ حرية الطرفين في اختيار القواعد الإجرائية التي تناسبهما، ومرونة الإجراءات خلال عملية الوساطة التي تتم عبر شبكة الإنترنيت، مع منح الطرفين — دون غيرهما – كامل الحرية في زيارة الموقع الالكتروني لمركز الوساطة، للاطلاع المباشر على الخطوات العملية برمتها بقصد تشجيع الأطراف على اللجوء إلى الوساطة الالكترونية لفض النزاع.[9]
    وتعد الوساطة الالكترونية كآلية لتوفير قاعدة بيانات متكاملة تشمل سير عملية الوساطة، وكيفية الاثبات وتقديم الطلبات إلى جانب أمثلة متعددة لأن لأنواع القضايا، كما تساعد على سرية البيانات المقدمة للوسيط من قبل المتنازعين وحفظها دون إفشاء سواء كانت في شكل طلبات أو وثائق أم أدلة مع صيانة العروض الخطية والشفوية الصادرة عن أي طرف أو وكيله، كما يمكن إلغاء ما تم تخزينه إذا ما رغب فريقا النزاع من عدم الاستمرار قدما في عملية الوساطة.


ب: إجراءات الوساطة الالكترونية


       تبدأ إجراءات الوساطة الالكترونية بتعبئة الطلب المخصص لذلك مسبقا على موقع المركز الالكتروني[11]والمتضمن البيانات الشخصية (الاسم، المهنة، العنوان، الهاتف، البريد الالكتروني…) مع ذكر مقدم الطلب لملخص عن موضوع النزاع والطرف الآخر وكيفية الاتصال به.[12]
       وباستلام المركز الطلب بعد قبوله يقوم بدراسته، وإرسال تأكيد لوضع الطلب ( confermation) مضمنه أن المركز قد قبل مهمة النظر في النزاع، لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة ربط الاتصال بالطرف الآخر، وبعد النجاح في الاتصال به يتم تزويده بنسخة من طلب الوساطة، وفي حالة رفضه فإن ذلك يعتبر إيذانا بانتهاء الوساطة ككل، أما إذا كان جوابه بالإيجاب، فإن ذلك يظهر من خلال تعبئة نموذج الاتفاق، والذي يتم في الغالب بالتوازي مع أداء رسوم الوساطة الالكترونية حينما يتعلق الأمر بالوساطة المؤسساتية، وبالتالي تبدأ عملية الوساطة فعليا، بحيث يقوم المركز بتزويد فريقي النزاع بقائمة أسماء الوسطاء، ومؤهلات كل منهنم ليقوما باختيار الوسيط الذي يوضح لهما آلية فض النزاع والطريقة التي يفضلانها لعقد جلسات الوساطة، إذ قد تكون إما عن طريق البريد الالكتروني e-mail  أو عن طريق غرفة المخاطبة من خلال غرفة الاجتماعات الالكترونية les salles conférence électronique  أو عن طريق اجتماع ثنائي مصور بالفيديو réunion vidéo ، أو عن طريق رسائل الدعوى les message ، كما يسأل الطرف عن مدى وجود اعتراضات بخصوص تعيين الوسيط من عدمها.[13]
 

  وبناء على ما سبق، فإنه يبقى  من الضروري على المشرع المغربي الإشارة إلى إمكانية تسوية النزاعات عن طريق الوساطة الالكترونية، والتي تعتبر النزاعات البنكية نظرا لطبيعتها في أمس الحاجة لتسويتها داخل الفضاء الالكتروني عبر آلية الوساطة، إذ من شأن ذلك أن يوفر العديد من الامتيازات لأطراف النزاع، حيث إن هذه الآلية لا تتعارض والنظام العام وكذا الأخلاق الحميدة بداية، فضلا عن أنها تحظى مؤخرا باهتمام بالغ من لدن مختلف الباحثين والمهتمين والتشريعات المقارنة، وذلك بفضل السرعة الفائقة التي تتم من خلالها عملية فض النزاع مقارنة بالوساطة التقليدية وبقية الوسائل الأخرى، كما توفر الوقت والجهد اللذان أصبح جهاز القضاء عاجزا عن الوفاء بهما أثناء فصله بين المتنازعين، كما تفوق سرعة الوساطة وكذا التحكيم العادي والالكتروني لكونها تتيح للأطراف تسوية نزاعهم ولو كانوا بدول مختلفة حيث تعفيهم من مشقة حضورهما الشخصي، كما تتصف بالمرونة في إجراءاتها، حيث إنه يمكن القيام بالتوقيع الالكتروني ويخضع كما التوقيع العادي، طبقا لأحكام القانون 417-1 المتعلق بتبادل المعطيات بشكل الكتروني.[14]

[1] محمد الأيوبي، التسوية الالكترونية لمنازعات التجارة الالكترونية، مجلة العلوم القانونية “التحكيم والقضاء” العدد الأول، مطبعة الآمنة الرباط، دون سنة، ص: 107.
[2]محمد أطويف، الوساطة الاتفاقية على ضوء القانون رقم 08-05، مقال منشور بمجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، العدد 3، طبعة 2013.

[3] يوسف الزوجال، تجربة الوسائل البديلة لفض المنازعات في القانون الوضعي المغربي -المعيقات القانونية والواقعية-  الطبعة الأولى 2018، مكتبة دار السلام الرباط، ص: 51.
[4] محمد أطويف، م س، ص: 41.
[5] إلياس ناصف، العقود الدولية -العقد الالكتروني في القانون المقارن- منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان 2009، ص: 316.
[6] Karim  benykhlef/ fabian gelinas: on line dispute resolution a study in collaboration bitween university of monterial and university of mc GILL, p40,41.
[7] محمد إبراهيم أبو الهجاء، التحكيم الالكتروني، الوسائل الالكترونية لفض النزاعات _ الوساطة _ التوفيق _ التحكيم _ المفاوضات المباشرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط2، 2010، ص:28.
[8] محمد الأيوبي، م س، ص: 122.
[11] حيث إن الوساطة الالكترونية غالبا ما تكون مؤسساتية، إذ يتولى تنظيمها وتسييرها مركز متخصص في عملية الوساطة، وتستوفي المراكز في هذا الاطار للقيام بعمليات الوساطة أتعابا بعمليات الوساطة عبر الأنترنيت، رسوما معينة مقابل ما تقدمه من خدمات، ومن هذه المراكز internet netural  الذي يستوفي (250 دولار) عند تقديم الطلب من المدعي، مثل هذا المبلغ عند إجابة المدعي عليه بالإيجاب، مع مبلغ (150 دولار) عن كل ساعة من جلسات الوساطة لحد السادسة مساء يضاف له 50% للجلسات من بعد الساعة السابعة مساء ولغاية الساعة السابعة صباحا، هذا في حالات الوساطة التي تتطلب اجتماعات واستخدام آلية vidéo conférence)) أما إذا جرت عملية الوساطة عبر البريد الالكتروني فقط، فإن المركز يستوفي رسومه على أساس الدقيقة الواحدة، بدءا من (1 دولار) حتى (6 دولارات) للدقيقة الواحدة، حسب مبلغ المتنازع بشأنه. ويمكن الاطلاع على تفاصيل آليات عمل المركز والأجور على الموقع الالكتروني التالي: www.internetneutral.com/links.html
   أما مركز وساطة square trade، فإنه يقدر رسوم الوساطة وفقا لقيمة المبلغ المتنازع عليه، إذ يستوفي (50 دولار) عن النزاع الذي لا تزيد قيمته عن (1000 دولار) أما إذا زاد المبلغ عن ذلك فيستوفي عنه (40 دولار) زائدا بذلك 5% من قيمة النزاع، على ألا تزيد في جميع الحالات عن (2500 دولار) هذا بعد استيفاء (20 دولار) عن تسجيل طلب الوساطة، ويعفي هذا المركز عملاءه، أو يخفض لهم رسوم الوساطة، إذا كانوا من عملاء لشركات المسجلة لديه. للمزيد من المعلومات يمكن الاطلاع على الموقع التالي: http://cf.squartrade.com_mediator/cale_pricing.cfm
= محمد الأيوبي، م س، ص: 127.
[12] نفسه، ص: 125.
[13] محمد إبراهيم أبو الهجاء، م س، ص: 35.
[14] حيث بالرجوع للقانون رقم 53-03 الخاص بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية نجد المشرع قد سوى بين التوقيع الالكتروني والعادي.

الوساطة الالكترونية في تسوية النزاعات

ضع تقييمك لهذه المقالة
شارك مع أصدقائك
error: تعذرت العملية !!